وبالنسبة لقصة بناء كنيسة الفادي نجد أنه في عام (1871 ميلادي) تم إرسال المصمم المعماري فريدريك أدلرمن برلين للقدس لرسم مخطط لإعمار كنيسة جديدة في الموقع المفترض لكنيسة القديسة ماري لللاتين القديمة (St. Mary la Latine or S. Maria latina). قام إدلر بدراسة الموقع وما تبقى من مباني ومرافق البيمارستان ومقارنتها بنمط الكنائس والمباني في زمن الصليبيين في محاولة لجعل الكنيسة الجديدة مشابهة للنمط القديم ولتصبح هذه الكنيسة كنيسة الهيئة الجديدة (new Order) لفرسان القديس جون (يوحنا). لكن الأموال لم تتوفر حينها ولم تتوفرإلا بعد تولي القيصرالإبن ويلهيلم الثاني (غليوم الثاني) للحكم فأرسل فريقاً من المعماريين مع أدلر ثانية للتحضير وتنفيذ المخطط.
(صورة لمخطط كنيسة الفادي الذي حضره فريدريك أدلر وفريقه غي عام 1893 ميلادي)
ثم بدأ العمل وقد تم الحفاظ على وترميم فقط القليل من المباني القديمة المتبقية وهي تلك التي اعتقدوا بأنها تعود لفترة الصليبيين بينما تمت إزالة الكثيرمن مباني ومرافق البيمارستان الأخرى التي تنسب للعهود الإسلامية، ثم بدئ في بناء كنيسة الفادي الحالية وقد ضم لبنائها القوس القديم للبوابة الشمالية المتبقية من أحد المباني القديمة والتي يعتقد أنها للكنيسة القديمة ومتبقية من زمن الصليبيين. (6)
(صورة قديمة للبوابة الشمالية المتبقية من كنيسة الصليبيين القديمة)
(صورة حديثة للبوابة الشمالية القديمة المتبقية الثي ضمت للبناء الحديث لكنيسة الفادي)
(رسم قديم للبوابة الشمالية القديمة و يظهرمسجد عمربن الخطاب رضي الله عنه في الخلف)
(صورة لكنيسة الفادي بعد انتهاء البناء وتظهر أمامها آثار للبيمارستان)
وقد كان موقع بناء كنيسة الفادي في الجزء الشمالي من الأرض المهداة للقيصر وفي الموقع الذي يعتقد أنه كانت تقع عليه الكنيسة القديمة للقديسة ماري لللاتين وتم الترميم والحفاظ فقط على القليل جداً من الأبنية الموجودة في أرض البيمارستان وهي تلك فقط التي ينسبونها للصليبيين وتشمل حسب وصفهم سكن وقاعة طعام فرسان الهوسبيتاليين (الداوية) ورواق معمد مغطى بأقواس ويحيط بباحة دير و refractory فيما أزيلت أغلب بقايا المباني والمرافق الأخرى.
وتشير بعض المراجع الغربية إلى أن الأقواس الموجودة في بازارطريق داود الذي يتقاطع مع طريق المارستان الصلاحي هي من بقايا مشفى القديس جون (يوحنا).(40) بينما يوضح الدكتور أحمد الصاوي (أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة) في مقال له تحت عنوان "المنشآت المدنية في القدس" أنه لم يتبق من اصل بناء البيمارستان الصلاحي "سوى بعض البوائك التي تعرف باسم البازار".(36) ويذكر عارف العارف أن من بقايا مشفى الهوسبتاليين والبيمارستان رواق متبقي من نزل للهوسبتاليين ويذكر أن مما يقال أن بازار بيع الخضارهو من بقايا هذا النزل الصليبي القديم علماً بأن بوائك هذا البازارمغلقة حالياً بأبواب حديدية ولم يعد يباع فيها الخضار كما يرى في الصورة في الأسفل.(2)
(طريق داود في القدس القديمة والممتد من باب الخليل وفيه بازار)
ويصف الدكتور أحمد الصاوي بصورة مقتضبة الهيئة العامة لتخطيط البيمارستان فيوضح أنه:"يبدو من بقايا البيمارستان أنه كان مكوناً من فناء أوسط مكشوف تحيط به بائكة من دعامات وعقود حجرية وتتقدم هذه البائكة قاعات مختلفة المساحات ومتنوعة الأسقف فبعضها مغطى بأقبية طولية والبعض الآخر كان مغطى بأقبية متقاطعة. وكانت كل قاعة مخصصة لتخصص طبي بعينه مثل الكحالة (أمراض العيون) والطبائعية (أمراض المعدة)".(36)
وفي كتاب "القدس في زمن الصليبيين" يذكر المؤلف أدريان بوس أسماء عدد من الباحثين الذين وصفوا آثار البيمارستان وقت أعمال التنقيب والحفريات في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشرويذكر بعض المراجع التي نشروها ويقتبس منها. ومما أشار إليه الكاتب أدريان بوس أن قيمة هذه المؤلفات ترجع أولاً إلى أن الكثير من بقايا البيمارستان التي وصفوها لم تعد موجودة وقد أزيلت لإتاحة المجال للمباني الجديدة وترجع ثانياً لدقتها واشتمالها على خرائط ورسومات ذات جودة عالية وبعض الصور التي تمثل بداية فن التصوير.(21)
(صورة لبقايا بعض مباني البيمارستان الصلاحي بالقدس من موقع Islamic architecture database)
(صورة من برج كنيسة الفادي تظهر بعض بقايا البيمارستان في الساحة الخلفية لكنيسة الفادي ويظهر في منتصف الصورة جزء من طريق البيمارستان والقوس الذي يحمل شعلر بروسيا والذي يتقاطع عمودياً مع طريق داود والبازار جنوباً)
و في عام (1898 ميلادي) حضرالقيصر ويلهيلم الثاني (آخرقيصرلألمانيا والذي تنازل لاحقاً عن العرش بعد هزيمة الحرب العالمية الأولى) وزوجته أوجستا فيكتوريا شخصياً كضيفي شرف على الإمبراطورية العثمانية في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني للإحتفال بافتتاح كنيسة الفادي. ولابد من الإشارة هنا إلى أن بعض المحللين و المؤرخين الغربيين يذكرون أن القيصرويلهيلم الثاني كان يرى نفسه صليبياً يحارب سلمياً من أجل المذهب البروتستانتي ومن أجل استعادة السيطرة على الأماكن المقدسة في القدس سلمياً وكان يؤمن بفكرة "الصليبي المسالم" الشاعرية التي ظهرت في ألمانيا منذ عام (1840 ميلادية). وقد سمى القيصر نفسه ب"الصليبي المسالم" في حفل افتتاح الكنيسة و احتفالية ذكرى الإصلاح الديني البروتستانتي Reformation day (تخليداً لذكرى الإصلاح الديني الذي نادى إليه مارتن لوثر). وقد جعل حفل افتتاح الكنيسة في نفس اليوم في عام
(1898 ميلادي) والمرفق لها صورة بالأسفل.(6)
(رسم قديم يوضح الإحتفالات بافتتاح كنيسة الفادي وبزيارة قيصر بروسيا وزوجته)
(صورة من الجو توضح موقع برج كنيسة الفادي وأرض البيمارستان (يمين الصورة) من كنيسة القيامة (يسار الصورة) والحرم الشريف)
(صورة قديمة تظهر فيها كنيسة الفادي بعد بنائها ولا تزال آثار أعمدة وحجرات البيمارستان تظهر في الباحة الخلفية)
(صور للقيصر ويلهيلم الثاني وزوجته أوغستا فيكتوريا)
(صور للسلطان العثماني عبد العزيز)
ومن الجدير بالذكر أن السلطان العثماني عبد العزيز الذي أهدى أرض البيمارستان كان معروفاً بأنه قد سارعلى نهج من سبقه في الحكم من التحديث والإصلاح والتغريب (الـتأثربالغرب) وكان مشهوراً كذلك بالتبذير والإسراف وبناء القصور والمباني المبهرجة رغم كثرة ديون الإمبراطورية وعجز الميزانية وقتها. لكن مما يسجل له أنه عارض منح إمتياز حفر قناة السويس لفرنسا من قبل حاكم مصروقتها محمد سعيد باشا وأن من إنجازاته تحديث البحرية العثمانية وتأسيس شبكة السكك الحديددية ومتحف اسطنبول للآثار. وقد صدر بعهده أول طابع بريد عثماني وتم بعهده الإنضمام إلى اتحاد البريد العالمي. وقد عزل السلطان عبد العزيز عن الحكم في آخر حياته عندما حاصر قصره أحمد مدحت باشا مع الجيوش. وتوفي بعد ذلك بأيام (1876 ميلادي) على خلفية مؤامرة بالقتل تمت داخل القصر بينما قال آخرون أنه انتحر.(31) (32). وقد زار قيصر بروسيا وزوجته أوغستا فيكتوريا الإمبراطورية العثمانية بعد وفاة السلطان عبد العزيز في عهد السلطان عبد الحميد الثاني الذي أهدى إليهم قطعة أرض خارج أسوار القدس القديمة لبناء كنيسة وبيت ضيافة ومشفى صغير للحجاج المسيحيين وقد وضع القيصرالألماني وزوجته حجرالأساس للمبنى وهو المعروف حالياً بمشفى أوغستا فيكتوريا أو مستشفى المطلع قي القدس الشرقية.
(موكب القيصر ويلهيلم قرب أسوار القدس القديمة)
(القيصر ويلهيلم الثاني يزور مسجد قبة الصخرة المشرفة)
(باب الجديد الذي فتح في سور القدس القديمة خصيصاً لدخول القيصر ويلهيلم الثاني)
(المراجع والمصادر في الصفحة الأخيرة)