مخطوطة "الإعتبار" لأسامة ابن المنقذ ومقارنة الطب لدى العرب والمسلمين بالطب لدي الصليبيين



من المعروف أن علوم المسلمين على اختلافها ونتاجات الحضارة العربية والإسلامية على تنوعها قد انتقلت إلى العالم الغربي في العصور الوسطى عبر الأندلس وصقلية وعن طريق الحروب الصليبية. أسامة بن المنقذ أمير وشاعر وفارس عربي مولود في قلعة شيزر اشتهرت له مخطوطة بعنوان "الإعتبار" أكثر من ديوانه الشعري لأنها غطت مذكراته عن فترة الحروب الصليبية، وقد لاقت مخطوطته اهتماماً كبيراً من قبل الباحثين والدارسين والمؤرخين الغربيين لأنها اشتملت بالإضافة لمذكراته حول أحداث الحروب الصليبية على ملاحظات ابن المنقذ وانطباعاته عن المجتمع الصليبي الذي عاش في الشام زمن الحروب الصليبية. وقد ترجمت مخطوطته إلى لغات عدة تحت اسم "كتاب الإعتبار" أو كما يترجم بالإنجليزية:
''Book of Contemplation''

(قلعة شيزر)  


وقد كان من ضمن ما ذكره ابن المنقذ في مخطوطته تجربة أحد الأطباء العرب وهو طبيب عربي نصراني يدعى ثابت أرسله عم ابن المنقذ الأمير سلطان بناءاً على طلب حاكم بلدة المنيطرة الصليبي في شمال لبنان وقد استعان به الحاكم صليبي لعلاج بعض المرضى لمعرفته بتطور الطب لدى العرب والمسلمين ، فصدم الطبيب العربي من مدى تخلف الطب لدى الصليبيين ومن سيطرة الشعوذة والكهانة على ممارساتهم العلاجية. وقد كانت هذه هي القصة كما نقلها ورواها أسامة ابن المنقذ في مخطوط "الإعتبار":


"ولكن لم تمض عشرة أيام حتى عاد ثابت إلى شيزر. وعندما سأله بنو منقذ عن السبب في عودته بهذه السرعة قال: "إن الصليبيين في المنيطرة أحضروا عندي فارسا قد طلعت في رجْله دمّلة وامرأة قد لحقها نشاف. فعملت للفارس لُبيخة ففتحت الدمّلة وصلحت. وحميت المرأة (أي منعها عن بعض الطعام) ورطبت مزاجها. فجاءهم طبيب إفرنجي (صليبي) فقال لهم:"هذا (أي الطبيب العربي) لا يعرف شيئا في الطب والمداواة". ثم قال الطبيب (الصليبي) للفارس الصليبي المريض:"أيما أحب إليك أن تعيش برجل واحدة أو تموت برجلين؟" قال: "أعيش برجل واحدة." فقال الطبيب: "أحضروا لي فارسا قويا وفأسا قاطعا" فحضر الفارس والفأس, وأنا حاضر(أي الطبيب العربي) فحط ساقه على قُرمة خشب وقال للفارس: "اضرب رجله بالفأس ضربة واحدة اقطعها". "فضربه, وأنا أراه, ضربة واحدة ما انقطعت, ضرب ضربة ثانية فسال مخ الساق, ومات (أي المريض) من ساعته". ثم أخذ الطبيب الصليبي في معالجة المرأة الصليبية وقال: "هذه المرأة في رأسها شيطان قد عشقها, احلقوا شعرها" فحلقوه.وعادت تأكل من مأكلهم الثوم والخردل. فزاد بها النُّشاف, فقال الطبيب الصليبي :"الشيطان قد دخل في رأسها", فأخذ الموس وشق رأسها صليبا وسلخ وسطه حتى ظهر عظم الرأس وحكه بالملح فماتت المرأة في وقتها". فقال الطبيب العربي للصليبيين: "هل بقي لكم إليّ حاجة؟ قالوا: لا. فجئت وقد تعلمت من طبهم ما لم أكن أعرفه!". كما يروي الأمير أسامة واقعة أخرى تكشف عجيب طب الصليبيين سمعها من أمير طبرية الصليبي; مفادها أن فارسا صليبيا كان قد مرض وأشرف على الموت, فأحضروا قساً كبيراً من قساوستهم لعلاجه إيماناً منهم أنه إذا وضع يده عليه فسيشفى في الحال. ولكن ما حدث هو أنه عندما رأى القس الفارس المريض قال لأهله: "أعطوني شمعا". فأُحضر الشمع, فليّنه القس وصنع منه ما يشبه الكرات ووضعها في أنف الفارس, فمات في الحال. فلما قال أهل المريض للقس إن مريضهم قد مات قال لهم: "نعم. فقد كان يتعذب فسددت أنفه حتى يموت ويستريح"!.(42)