رغم أن البناء القديم للبيمارستان الصلاحي قد تعرض لأضرار بالغة بسبب الزلزال الواقع في عام (1458 ميلادية) إلا أن عارف العارف في كتابه "المفصل في تاريخ القدس" يذكر أن سجلات المحكمة الشرعية في القدس تدل على أنه في أواسط القرن الثامن عشر كان لايزال البيمارستان الصلاحي أو ماتبقى أو جدد منه موجوداً في السجلات كمؤسسة عاملة. فقد ذكر العارف أن السجلات أشارت إلى تعيين القاضي لزين بن إمام قلعة البرك في خدمة المرضى والمجانين في المارستان الصلاحي بعد وفاة الموظف السابق حجازي بن العجمية بأجرة عثمانيين في السنة. وتذكرالسجلات تفاصيل كثيرة كذكرحضور المتولي على الوقف عبدالله العلمي وغيره من المتولين لتسليم الأجرة ، وكذكر أن محمد بن نجم الدين أفندي العلمي كان متولي وقف البيمارستان الصلاحي في عام (1167 هجرية- 1753 ميلادية) وغير ذلك من التفاصيل المؤكدة لعمل البيمارستان.(2) ويبدو أن البيمارستان قد تضرر كثيراً بفعل الزلزال ولكن تم ترميمه وصيانته عدة مرات كما يظهر من تواريخ المخطوطات والوثائق المقدسية حيث أن الوثيقة المفهرسة برقم (64) تشير إلى ترميم وتعمير البيمارستان بتاريخ 978 هجرية (1557 ميلادية) وتذكر الوثيقة رقم (65) ما يؤكد كذلك استمرار عمل البيمارستان بعد الزلزال إذ تذكر تعيين طبيب جراح للبيمارستان هو السيد وفا أفندي العلمي زادة سنة 1203 هجرية بينما تصف وثيقة رقم (70) الأعيان الموقوفة على البيمارستان بتاريخ 1205 هجرية (1784 ميلادية).(43)
(صورة لبيمارستان القدس الصلاحي في أواخر القرن الثامن عشر تظهر الدمار الذي أصاب المكان)
ومما يدل على ذلك بالإضافة لسجلات المحكمة الشرعية في القدس ما ذكره درور زئيفي الأستاذ المحاضر الإسرائيلي من جامعة بن غورين في صحراء النقب في كتابه "قرن عثماني: محافظة القدس في القرن السادس عشر"، فقد ذكر أنه طبقاً لسجل القدس في عهد حاكم القدس العثماني هنالك عدة تقارير تشير إلى أنه كانت هنالك على الأقل محاولة واحدة في منتصف القرن السادس عشر لترميم البيمارستان ويقتبس بعض تفاصيل القصة من السجل قائلاً أنه: " في يوم السادس من شعبان من عام (1045 هجرية) (15 يناير 1636 ميلادية) وصل إلى المحكمة الشيخ عمر بن عبد الصمد ناظر وقف البيمارستان الصلاحي إلى المحكمة وقام بإبلاغ القاضي أن أجزاءاً من البيمارستان قد دمرت وبحاجة للإصلاح بصورة طارئة. بناءاً على طلب الناظر قام القاضي بتعيين فريق يشمل نائب الكشف (المساح) والمعماري المسئول لفحص مبنى البيمارستان. وقد وجد الفريق أنه هنالك حاجة لبوابات جديدة لبيت الدرج وأنه هنالك ضرورة لأعمال صيانة لبيت المرضى وبيت المجانين ، وأنه هنالك حاجة لصيانة جزئية لبيت المغتسل (الحمام/قسم الغسيل) وبيت الكحالين (عيادة العيون). ووجد الفريق أن أربعة إيوانات (ممرات) قد تهدمت جزئياً وكذلك الكراسي الحجرية عند المدخل بينما امتلأت غرف أخرى بالردم والغباروالنفايات. وقد أحضر معلم البناء (البناء المسئول) عبد المحسن وقام بتقدير كلفة كل بند في قائمة التصليحات وقدركلفة الصيانة الكلية بحوالي 552 جروش. بناءاً على ذلك التقرير فقد خول القاضي إلى المتولي تنفيذ الصيانة والترميم ودفع التكاليف اللازمة من صندوق الوقف كأولوية قصوى".(28)
ولعل ما سبق ذكره واقتباسه من وثائق المحكمة الشرعية بالقدس وسجل القدس يؤكد بما لا يدعو للشك أن البيمارستان قد تم ترميمه بعد زلزال عام (1458 ميلادية) و أنه قد استمر بالعمل وخدمة المرضى. ولكن الأمر الذي يحتاج لبحث ربما في المراجع العثمانية هو سبب الإنهيارالجديد الذي أصاب مباني البيمارستان في آخر سنوات الإمبراطورية العثمانية وكما يظهرموثقاً بصورفي نهاية القرن التاسع عشر، ولابد من البحث فيما إذا كانت ديون الإمبراطورية العثمانية المتزايدة وقتها هي سبب عدم ترميمه وصيانته.
(صورة قديمة نادرة لأرض البيمارستان يظهر فيها مئذنة مسجد عمر بن الخطاب وقبة كنيسة القيامة (يسار الصورة) وتظهر في الوسط شجرة في أرض البيمارستان مع القليل من المباني المتبقية بعد إزالة الردم الناتج عن الزلزال على ما يبدو)